ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻭﺇﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ،
ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ،
ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ:
ﻓﻬﺬﺍ ﻟﻘﺎﺀ ﻳﺘﺠﺪﺩ ﻣﻊ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻟﻬﺎ ﺻﻠﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﻌﺒﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ،
ﺃﻻ ﻭﻫﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ: ﺗﻠﻜﻢ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {{ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲ ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ ﻓَﻠْﻴَﺴْﺘَﺠِﻴﺒُﻮﺍ ﻟِﻲ ﻭَﻟْﻴُﺆْﻣِﻨُﻮﺍ ﺑِﻲ ﻟَﻌَﻠَّﻬُﻢْ
ﻳَﺮْﺷُﺪُﻭﻥَ}}
[ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:186] ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎﺀ ﺟﺎﺀﺕ ﺗﻌﻘﻴﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔٍ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ، ﻓﻬﻠﻢّ
ـ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ـ ﻟﻨﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻫﺪﺍﻳﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ:
1 ـ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺳﺆﺍﻻً، ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺗﺒﺪﺃ ﺑـ(ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻚ)
ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺑـ(ﻗﻞ) ﺇﻻ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ (ﻓﻘﻞ) ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻃﻪ،
ﺇﻻ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ، ﻓﺈﻧﻪ ﺑﺪﺃ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺸﺮﻃﻴﺔ:
{{ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲ}}، ﻭﺟﺎﺀ ﺟﻮﺍﺏ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻔﻌﻞ: ﻗﻞ، ﺑﻞ
ﻗﺎﻝ: {{ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ}}، ﻓﻜﺄﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺎﺻﻞ ﻣﻊ ﻗﺼﺮﻩ (ﻗﻞ) ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻄﻴﻞ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺭﺑﻪ،
ﻓﺠﺎﺀ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺑﺪﻭﻥ ﻭﺍﺳﻄﺔ: {{ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ}} ﺗﻨﺒﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺪﺓ ﻗﺮﺏ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺭﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ!
. ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺑﻠﻎ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻨﺰﻭﻝ ـ
ﻟﻮ ﺻﺢّ ـ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺳﺌﻞ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: "ﺃﻗﺮﻳﺐ ﺭﺑﻨﺎ ﻓﻨﻨﺎﺟﻴﻪ، ﺃﻡ ﺑﻌﻴﺪ ﻓﻨﻨﺎﺩﻳﻪ؟".
2 ـ ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {{ﻋﺒﺎﺩﻱ}}
ﻓﻜﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩ، ﺣﻴﺚ ﺃﺿﺎﻓﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻌﻠﻴّﺔ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺑﺤﻤﺪﻩ، ﻓﺄﻳﻦ ﺍﻟﺪﺍﻋﻮﻥ؟
ﻭﺃﻳﻦ ﺍﻟﻄﺎﺭﻗﻮﻥ ﻷﺑﻮﺍﺏ ﻓﻀﻠه!!
3 ـ ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺮﻳﺐ: ﻓﻔﻴﻬﺎ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻗﺮﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ، ﻭﻫﻮ ﻗﺮﺏ ﺧﺎﺹ ﺑﻤﻦ ﻳﻌﺒﺪﻩ ﻭﻳﺪﻋﻮﻩ،
ﻭﻫﻮ ـ ﻭﺍﻟﻠﻪ ـ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﻠﻨﺸﺎﻁ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺀ ﻣﻼﻩ.
4 ـ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {{ﺃﺟﻴﺐ}} ﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺳﻤﻌﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻱ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﻫﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ!
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﺧﻮﺓ:
ﺇﻥ ﺃﻱ ﻣﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﻠﻮﻙ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ـ ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻷﻋﻠﻰ ـ
ﻣﻬﻤﺎ ﺃﻭﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﺬ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻋﺎﺟﺰ،
ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕَ،
ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺘﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﻮﻱ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ.
5 ـ ﻣﻊ ﻗﻮﻟﻪ: {{ﺇﺫﺍ ﺩﻋﺎﻥ}} ﻓﻔﻴﻬﺎ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺷﺮﻁ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﺣﺎﺿﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ
ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮ ﺭﺑﻪ، ﻭﺻﺎﺩﻗﺎً ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺓ ﻣﻮﻻﻩ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺨﻠﺼﺎً ﻣﺸﻌﺮﺍً ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ،
ﻭﻣﺸﻌﺮﺍً ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻜﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺟﻮﺩﻩ(1).
6 ـ ﻭﻣﻦ ﻫﺪﺍﻳﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻭﺩﻻﻟﺘﻬﺎ: ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺠﻴﺐ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﺪﺍﻉ ﺇﺫﺍ ﺩﻋﺎﻩ؛
ﻭﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﺠﻴﺐ ﻣﺴﺄﻟﺘﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﻳﺆﺧﺮ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻴﺰﺩﺍﺩ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﺗﻀﺮﻋﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ،
ﻭﺇﻟﺤﺎﺣﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ؛ ﻓﻴﻘﻮﻯ ﺑﺬﻟﻚ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ، ﻭﻳﺰﺩﺍﺩ ﺛﻮﺍﺑﻪ؛ ﺃﻭ ﻳﺪﺧﺮﻩ ﻟﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ؛
ﺃﻭ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺀ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻋﻈﻢ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻟﻠﺪﺍﻋﻲ؛ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺮ - ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ -
ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {{ﺃﺟﻴﺐ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﺪﺍﻉ}}(2).
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ:
7 ـ ﻭﺗﺎﺝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ:
{{ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲم ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ}}
ﺃﻧﻚ ﺗﻠﺤﻆ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﺮﺍً ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻋﻈﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻓﻬﺬﺍ ﺭﺑﻚ ـ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ
ـ ﻭﻫﻮ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ، ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ، ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺸﺒﻪ ﻣﻠﻜﻪ ﻣﻠﻚ، ﻭﻻ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﺳﻠﻄﺎﻥ ـ
ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕَ ﺩﻋﺎﺀﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﻋﻴﺪ، ﻭﻻ ﺇﻟﻰ ﺃﺫﻭﻧﺎﺕ، ﻭﻻ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ،
ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ، ﻣﻊ ﻗﻠﺐ ﺻﺎﺩﻕ، ﻭﺗﺴﺄﻝ ﺣﺎﺟﺘﻚ، ﻛﻤﺎ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺰﻧﻲ
ـ ﺃﺣﺪ ﺳﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ـ
: "ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻚ ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ! ﺧﻠﻲ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﺍﺏ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻨﻪ ﺇﺫﺍ ﺷﺌﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻚ،
ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﺣﺠﺎﺏ ﻭﻻ ﺗﺮﺟﻤﺎﻥ"(3)،
ﻓﻴﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺔ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﺇﻻ ﺍﻟﻤﻮﻓﻖ، ﻭﺇﻻ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻓﻴﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ
ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺳﻞ ﺑﺎﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، ﺃﻭ ﻇﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﻔﻼﻧﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﻔﻼﻧﻲ!!
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﺧﻮﺓ:
ﻭﺇﺫﺍ ﺗﺒﻴﻦ ﻭﻗﻊُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ـ {{ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲ ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ}}
ـ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﺳﻨﺪﺭﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺤﺮﻡ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﺒﺎﺏ، ﻭﺃﻥ ﺗﻨﺴﻴﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ!
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﺎﺯﻡ ﻷﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻣﻨﻊ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ، ﺃﺧﻮﻑ ﻣﻨﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻣﻨﻊ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ(4).
ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ:
"ﻭﻗﺪ ﺃﺟﻤﻊ ﺍﻟﻌﺎﺭﻓﻮﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻠﻠﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ, ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺨﺬﻻﻥ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻲ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻦ ﻧﻔﺴﻚ,
ﻓﺎﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﻓﺄﺻﻠﻪ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ, ﻭﻫﻮ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻌﺒﺪ, ﻓﻤﻔﺘﺎﺣﻪ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻟﻠﺠﺄ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻟﺮﻫﺒﺔ
ﺍﻟﻴﻪ، ﻓﻤﺘﻰ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﺘﺎﺡ ﻓﻘﺪ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻪ, ﻭﻣﺘﻰ ﺃﺿﻠّﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﺘﺎﺡ ﺑﻘﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻣﺮﺗﺠﺎ ﺩﻭﻧﻪ،
ﻗﺎﻝ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ:
"ﺇﻧﻲ ﻻ ﺃﺣﻤﻞ ﻫﻢ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ, ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺣﻤﻞ ﻫﻢ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ, ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻟﻬﻤﺖ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻓﺈﻥ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻣﻌﻪ.
ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻧﻴﺔ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﻫﻤﺘﻪ ﻭﻣﺮﺍﺩﻩ ﻭﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻮﻓﻴﻘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺇﻋﺎﻧﺘﻪ، ﻓﺎﻟﻤﻌﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ
ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻫﻤﻤﻬﻢ ﻭﺛﺒﺎﺗﻬﻢ ﻭﺭﻏﺒﺘﻬﻢ ﻭﺭﻫﺒﺘﻬﻢ, ﻭﺍﻟﺨﺬﻻﻥ ﻳﻨﺰﻝ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﺫﻟﻚ,...,
ﻭﻣﺎ ﺃﺗﻲ ﻣﻦ ﺃﺗﻲ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺇﺿﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻭﺇﻫﻤﺎﻝ ﺍﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ, ﻭﻻ ﻇﻔﺮ ﻣﻦ ﻇﻔﺮ ـ ﺑﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻋﻮﻧﻪ ـ
ﺇﻻ ﺑﻘﻴﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ، ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ"(5) ﺍﻧﺘﻬﻰ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺤﻀﺮﻫﺎ ﺍﻟﻌﺒﺪ ـ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ـ
ﻣﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﺨﻄﺎﺑﻲ: ـ
ﻭﻫﻮ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ـ
ﻓﻴﻘﻮﻝ: "ﻭﻗﺪ ﻗﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ـ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ـ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻤﺘﺤﻨﺎً ﻭﻣﺴﺘﻌﻤﻼً، ﻭﻣﻌﻠﻘﺎً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ـ
ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﻣﺪﺭﺟﺘﺎ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ـ ﻟﻴﺴﺘﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻤﻀﺮﻭﺑﺔ ﻋﻠﻴﻪ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﻤﺔ ﻛﻞ ﻋﺒﺪ، ﻭﻧِﺼْﺒﺔُ ﻛﻞ ﻣﺮﺑﻮﺏ ﻣُﺪَﺑّﺮٍ"(6).
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺍﻟﻔﻄﻦ:
ﻭﻣﻦ ﻫﺪﺍﻳﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ـ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺴﻴﺎﻗﻬﺎ ـ: ﺍﺳﺘﺤﺒﺎﺏ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﻄﺮ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻭﻏﻴﺮﻩ،
ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻓﻌﻞ ﺍﻟﺴﻠﻒ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﺮﻓﻮﻋﺔ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻝ،
ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺎ ﺃﻧﺖ ﺗﺮﻯ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻌﻀﺪﻫﺎ، ﻭﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ
ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ:
ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ـ ﺁﻳﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ـ ﺑُﻌَﻴْﺪ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻭﻗﺒﻴﻞ ﺁﻳﺔ ﺇﺑﺎﺣﺔ ﺍﻟﺮﻓﺚ ﻓﻲ ﻟﻴﻞ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ،
ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ:: "ﻭﻓﻲ ﺫﻛﺮﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﺒﺎﻋﺜﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻣﺘﺨﻠﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ،
ﺇﺭﺷﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻋﻨﺪ ﺇﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﺓ، ﺑﻞ ﻭﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻓﻄﺮ"(7) ﺍﻧﺘﻬﻰ.
ﻓﻤﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﻫﻮ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻘﺮﻩ ﻭﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﺑﺪﻋﺎﺀ ﻣﻮﻻﻩ، ﻭﺍﻻﻧﻜﺴﺎﺭ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻭﺭﺍﺯﻗﻪ، ﻭﻣَﻦْ ﻧﺎﺻﻴﺘﻪ ﺑﻴﺪﻩ!
ﻭﻣﺎ ﺃﺳﻌﺪﻩ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻬﺘﺒﻞ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻟﻴﻨﺎﺟﻲ ﺭﺑﻪ، ﻭﻳﺴﺄﻟﻪ ﻣﻦ ﻭﺍﺳﻊ ﻓﻀﻠﻪ ﻓﻲ ﺧﻴﺮﻱ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ!
ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺮﺯﻗﻨﺎ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻠﺠﺄ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺍﻻﻧﻄﺮﺍﺡ ﺑﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻟﻪ،
ﻭﻗﻮﺓ ﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺃﻥ ﻻ ﻳﺨﻴﺐ ﺭﺟﺎﺀﻧﺎ ﻓﻴﻪ، ﻭﻻ ﻳﺮﺩﻧﺎ ﺧﺎﺋﺒﻴﻦ ﺑﺴﺒﺐ ﺫﻧﻮﺑﻨﺎ ﻭتقصيرنا.
مع تحيات:جروب اقرا وتدبر في آية....